حدثنا عيسى بن هشام قال: كان يبلغنى من مقامات الإسكندرى ومقالاته ما يصغى إليه النفور . وينتفض له العصفور . ويروى لنا من شعره ما يمتزج بأجزاء النفس رقة . ويغمض عن أوهام الكهنة دقة . وأنا أسأل الله بقاءه . حتى أرزق لقاءه . وأتعجب من قعود همته بحالته مع حسن آلته . وقد ضرب الدهر شؤونه . بأسداد دونه . وهلم جرا . إلى أن اتفقت لى حاجة بحمص . فشحذت إليها الحرص . فى صحبة أفراد كنجوم الليل . أحلاس لظهور الخيل . وأخذنا الطريق ننتهب مسافته . ونستأصل شأفته . ولم نزل نفرى أسنمه النجاد . بتلك الجياد . حتى صرن كالعصي . ورجعن كالقسي . وتاح لنا واد فى سفح جبل ذي ألاء وأثل كالعذارى يسرحن الضفائر . وينشرن الغدائر . ومالت الهاجرة بنا إليها ونزلنا نغور ونغور وربطنا الأفراس . بالأمراس وملنا مع النعاس . فما راعنا إلا صهيل الخيل . ونظرت إلى فرسى وقد أرهف أذنيه . وطمح بعينيه . يجذ قوى الحبل بمشافره . ويخد خد الأرض بحوافره . ثم اضطربت الخيل فأرسلت الأبوال . وقطعت الحبال . وأخذت نحو الجبال . وطار كل واحد منا إلى سلاحه فإذا السبع فى فروة الموت . قد طلع من غابه . منتفخا فى إهابه . كاشرا عن أنيابه . بطرف قد ملئ صلفا . وأنف قد حشى أنفا . وصدر لا يبرحه القلب ولا يسكنه الرعب . وقلنا خطب ملم . وحادث مهم . وتبادر إليه من سرعان الرفقة فتى .
أخضر الجلدة فى بيت العرب ***** يملأ الدلو إلى عقد الكرب .
بقلب ساقه قدر . وسيف كله أثر . وملكته سورة الأسد فخانته أرض قدمه . حتى سقط ليده وفمه . وتجاوز الأسد مصرعه إلى من كان معه . ودعا الحين أخاه . بمثل ما دعاه فصار إليه . وعقل الرعب يديه . فأخذ أرضه . وافترش الليث صدره . ولكنى رميته بعمامتى وشغلت فمه . حتى حقنت دمه . وقام الفتى فوجأ بطنه حتى هلك الفتى من خوفه . والأسد للوجأه فى جوفه . ونهضنا فى أثر الخيل فتألفنا منها ما ثبت . وتركنا ما أفلت . وعدنا إلى الرفيق لنجهزه .
فلما حثونا الترب فوق رفيقنا ***** جزعنا ولكن أى ساعة مجزع .
وعدنا إلى الفلاة . وهبطنا أرضها وسرنا حتى إذا ضمرت المزاد . ونفد الزاد أو كاد يدركه النفاد . ولم نملك الذهاب ولا الرجوع . وخفنا القاتلين الظمأ والجوع . عن لنا فارس فصمدنا صمده. وقصدنا قصده . ولما بلغنا نزل عن حر فرسه. ينقش الأرض بشفتيه. ويلقى التراب بيديه . وعمدنى من بين الجماعة . فقبل ركابى . وتحرم بجنابى ونظرت فإذا هو وجه يبرق برق العارض المتهلل . وقوام متى ما ترق العين فيه تسهل . وعارض قد اخضر . وشارب قد طر . وساعد ملآن . وقضيب ريان . ونجار تركى . وزى ملكى . فقلنا ما لك لا أبا لك . فقال: أنا عبد بعض الملوك ، هم من قتلى بهم . فهمت على وجهى إلى حيث تراني . وشهدت شواهد حاله . على صدق مقاله . ثم قال: أنا اليوم عبدك . ومالى مالك . فقلت: بشرى لك وبك أداك سيرك إلى فناء رحب . وعيش رطب . وهنأتنى الجماعة وجعل ينظر فتقتلنا ألحاظه . وينطق فتفتننا ألفاظه . فقال: يا ساده إن فى سفح الجبل عينا وقد ركبتم فلاة عوراء . فخذوا من هنالك الماء . فلوينا الأعنة إلى حيث أشار وبلغناه وقد صهرت الهاجرة الأبدان . وركب الجنادب العيدان . فقال: ألا تقيلون فى هذا الظل الرحب . على هذا الماء العذب . فقلنا: أنت وذاك . فنزل عن فرسه وحل منطقته . ونحى قرطقته. فما استتر عنا إلا بغلالة تنم على بدنه . فما شككنا أنه خاصم الولدان . ففارق الجنان . وهرب من رضوان . وعمد إلى السروج فحطها وإلى الأفراس فحشها. وإلى الأمكنة فرشها . وقد حارت البصائر فيه . ووقفت الأبصار عليه . فقلت: يا فتى ما ألطفك فى الخدمة . وأحسنك فى الجملة . فالويل لمن فارقته . وطوبى لمن رافقته . فكيف شكر الله على النعمة بك . فقال: ما سترونه منى أكثر أتعجبكم خفتى فى الخدمة . وحسنى فى الجملة . فكيف لو رأيتمونى فى الرفقة . أريكم من حذقى طرفا . لتزدادوا بى شغفا . فقلنا . هات . فعمد إلى قوس أحدنا فأوتره وفوق سهما فرماه فى السماء . وأتبعه بآخر فشقه فى الهواء . وقال سأريكم نوعا آخر ثم عمد إلى كنانتى فأخذها وإلى فرسى فعلاه ورمى أحدنا يسهم أثبته فى صدره . وآخر طيره من ظهره . فقلت: ويحك ما تصنع . قال: اسكت يا لكع . والله ليشدن كل منكم يد رفيقه . أو لأغصنه بريقه . فلم ندر ما نصنع وأفراسنا مربوطة . وسروجنا محطوطه . وأسلحتنا بعيدة وهو راكب ونحن رجاله والقوس فى يده يرشق بها الظهور . ويمشق بها البطون والظهور . وحين رأينا الجد . أخذنا القد . فشد بعضنا بعضا وبقيت وحدى . لا أجد من يشد يدى . فقال: أخرج بإهابك عن ثيابك . فخرجت ثم نزل عن فرسه وجعل يصفع الواحد منا بعد الآخر . وينزع ثيابه وصار إلى وعلى خفان جديدان . فقال: اخلعهما لا أم لك . فقلت هذا خف لبسته رطبا فليس يمكننى نزعه . فقال: على خلعه . ثم دنا إلى لينزع الخف ومددت يدى إلى سكين كان معى فى الخف . وهو فى شغله فأثبته فى بطنه . وأبنته من متنه . فما زاد على فم فغره . وألقمه حجره . وقمت إلى أصحابى فحللت أيديهم وتوزعنا سلب القتيلين وأدركنا الرفيق وقد جاد بنفسه . وصار لرمسه . وصرنا إلى الطريق ووردنا حمص بعد ليال خمس . فلما انتهينا إلى فرصة من سوقها رأينا رجلا قد قام على رأس ابن وبنية . بجراب وعصية . وهو يقول:
رحم الله من حشا ***** فى جرابى مكارمه .
رحم الله من رنا ***** لسعيد وفاطمه .
إنه خادم لكم ***** وهى لا شك خادمه .
قال عيسى بن هشام: إن هذا الرجل هو الإسكندرى الذى سمعت به وسألت عنه فإذا هو هو فدلفت إليه . وقلت: احتكم حكمك . فقال: درهم . فقلت:
لك درهم فى مثله ***** ما دام يسعدنى النفس .
فاحسب حسابك والتمس ***** كيما أنيل الملتمس .
وقلت له: درهم فى اثنين فى ثلاثة فى أربعة فى خمسة حتى انتهيت إلى العشرين . ثم قلت: كم معك . قال: عشرون رغيفا . فأمرت له بها . وقلت: لا نصر مع الخذلان . ولا حيلة مع الحرمان .
أخضر الجلدة فى بيت العرب ***** يملأ الدلو إلى عقد الكرب .
بقلب ساقه قدر . وسيف كله أثر . وملكته سورة الأسد فخانته أرض قدمه . حتى سقط ليده وفمه . وتجاوز الأسد مصرعه إلى من كان معه . ودعا الحين أخاه . بمثل ما دعاه فصار إليه . وعقل الرعب يديه . فأخذ أرضه . وافترش الليث صدره . ولكنى رميته بعمامتى وشغلت فمه . حتى حقنت دمه . وقام الفتى فوجأ بطنه حتى هلك الفتى من خوفه . والأسد للوجأه فى جوفه . ونهضنا فى أثر الخيل فتألفنا منها ما ثبت . وتركنا ما أفلت . وعدنا إلى الرفيق لنجهزه .
فلما حثونا الترب فوق رفيقنا ***** جزعنا ولكن أى ساعة مجزع .
وعدنا إلى الفلاة . وهبطنا أرضها وسرنا حتى إذا ضمرت المزاد . ونفد الزاد أو كاد يدركه النفاد . ولم نملك الذهاب ولا الرجوع . وخفنا القاتلين الظمأ والجوع . عن لنا فارس فصمدنا صمده. وقصدنا قصده . ولما بلغنا نزل عن حر فرسه. ينقش الأرض بشفتيه. ويلقى التراب بيديه . وعمدنى من بين الجماعة . فقبل ركابى . وتحرم بجنابى ونظرت فإذا هو وجه يبرق برق العارض المتهلل . وقوام متى ما ترق العين فيه تسهل . وعارض قد اخضر . وشارب قد طر . وساعد ملآن . وقضيب ريان . ونجار تركى . وزى ملكى . فقلنا ما لك لا أبا لك . فقال: أنا عبد بعض الملوك ، هم من قتلى بهم . فهمت على وجهى إلى حيث تراني . وشهدت شواهد حاله . على صدق مقاله . ثم قال: أنا اليوم عبدك . ومالى مالك . فقلت: بشرى لك وبك أداك سيرك إلى فناء رحب . وعيش رطب . وهنأتنى الجماعة وجعل ينظر فتقتلنا ألحاظه . وينطق فتفتننا ألفاظه . فقال: يا ساده إن فى سفح الجبل عينا وقد ركبتم فلاة عوراء . فخذوا من هنالك الماء . فلوينا الأعنة إلى حيث أشار وبلغناه وقد صهرت الهاجرة الأبدان . وركب الجنادب العيدان . فقال: ألا تقيلون فى هذا الظل الرحب . على هذا الماء العذب . فقلنا: أنت وذاك . فنزل عن فرسه وحل منطقته . ونحى قرطقته. فما استتر عنا إلا بغلالة تنم على بدنه . فما شككنا أنه خاصم الولدان . ففارق الجنان . وهرب من رضوان . وعمد إلى السروج فحطها وإلى الأفراس فحشها. وإلى الأمكنة فرشها . وقد حارت البصائر فيه . ووقفت الأبصار عليه . فقلت: يا فتى ما ألطفك فى الخدمة . وأحسنك فى الجملة . فالويل لمن فارقته . وطوبى لمن رافقته . فكيف شكر الله على النعمة بك . فقال: ما سترونه منى أكثر أتعجبكم خفتى فى الخدمة . وحسنى فى الجملة . فكيف لو رأيتمونى فى الرفقة . أريكم من حذقى طرفا . لتزدادوا بى شغفا . فقلنا . هات . فعمد إلى قوس أحدنا فأوتره وفوق سهما فرماه فى السماء . وأتبعه بآخر فشقه فى الهواء . وقال سأريكم نوعا آخر ثم عمد إلى كنانتى فأخذها وإلى فرسى فعلاه ورمى أحدنا يسهم أثبته فى صدره . وآخر طيره من ظهره . فقلت: ويحك ما تصنع . قال: اسكت يا لكع . والله ليشدن كل منكم يد رفيقه . أو لأغصنه بريقه . فلم ندر ما نصنع وأفراسنا مربوطة . وسروجنا محطوطه . وأسلحتنا بعيدة وهو راكب ونحن رجاله والقوس فى يده يرشق بها الظهور . ويمشق بها البطون والظهور . وحين رأينا الجد . أخذنا القد . فشد بعضنا بعضا وبقيت وحدى . لا أجد من يشد يدى . فقال: أخرج بإهابك عن ثيابك . فخرجت ثم نزل عن فرسه وجعل يصفع الواحد منا بعد الآخر . وينزع ثيابه وصار إلى وعلى خفان جديدان . فقال: اخلعهما لا أم لك . فقلت هذا خف لبسته رطبا فليس يمكننى نزعه . فقال: على خلعه . ثم دنا إلى لينزع الخف ومددت يدى إلى سكين كان معى فى الخف . وهو فى شغله فأثبته فى بطنه . وأبنته من متنه . فما زاد على فم فغره . وألقمه حجره . وقمت إلى أصحابى فحللت أيديهم وتوزعنا سلب القتيلين وأدركنا الرفيق وقد جاد بنفسه . وصار لرمسه . وصرنا إلى الطريق ووردنا حمص بعد ليال خمس . فلما انتهينا إلى فرصة من سوقها رأينا رجلا قد قام على رأس ابن وبنية . بجراب وعصية . وهو يقول:
رحم الله من حشا ***** فى جرابى مكارمه .
رحم الله من رنا ***** لسعيد وفاطمه .
إنه خادم لكم ***** وهى لا شك خادمه .
قال عيسى بن هشام: إن هذا الرجل هو الإسكندرى الذى سمعت به وسألت عنه فإذا هو هو فدلفت إليه . وقلت: احتكم حكمك . فقال: درهم . فقلت:
لك درهم فى مثله ***** ما دام يسعدنى النفس .
فاحسب حسابك والتمس ***** كيما أنيل الملتمس .
وقلت له: درهم فى اثنين فى ثلاثة فى أربعة فى خمسة حتى انتهيت إلى العشرين . ثم قلت: كم معك . قال: عشرون رغيفا . فأمرت له بها . وقلت: لا نصر مع الخذلان . ولا حيلة مع الحرمان .
فأمرت له بها . وقلت: لا نصر مع الخذلان . ولا حيلة مع الحرمان .
ردحذف