حديثا عيسى بن هسام قال : بينا نحن بجرجان في مجمع لنا نتحدث وما فينا إلا منا . إذ وقف علينا رجل ليس بالطويل المتمدد . ولا القصير المتردد . كث العثنون يتلوه صفار في أطمار . فافتتح الكلام بالسلام . وتحية الإسلام . فولانا جميلا وأوليناه جزيلا . فقال : يا قوم إني امرؤ من أهل الإسكندرية من الثغور الأموية نمتني سليم ورحبت بي عبس . جبت الأفاق . وتقصيت العراق . وجلت البدووالحضر . وداري ربيعة ومصر . ما هنت . حيث كنت . فلا يزرين بي عندكم ما ترونه من سملي وأطماري . فلقد كنا والله من أهل ثم ورم . نرغي لدي الصباح ونثغي عند الرواح:
وفينا مقامات حسان وجوههـــم ***** وأندية ينتابها القــول والفعــل
علي مكثريهم رزق من يعتريهم ***** وعند المقلين السماحة والبذل
ثم إن الدهر ياقوم قلب لي من بينهم ظهر المجن . فاعتضت بالنوم السهر . وبالإقامة السفر . تترامي بي المرامي . وتتهادي بي الموامي . وقلعتني حوادث الزمن قلع الصمغة . فأصبح وأمسي أنقي من الراحة وأعري من صفحة الوليد . وأصبحت فارغ الفناء . صفر الإناء . مالي إلا كآبة الأسفار . ومعاقرة السفار . أعاني الفقر وأماني القفر . فراشي المدر . ووسادي الحجر .
بآمــد مــرة وبــرأس عيـــــن ***** وأحيـــــانا بميا فــارقـــينـا .
ليلة بالشام ثمت بالأهـــــــــــ ***** واز رحلي وليلة بالعــــراق .
فما زالت النوي تطرح بي كل مطرح حتي وطئت بلاد الحجر وأحلتني بلد همذان فقبلني أحياؤها . واشرأب إلي أحباؤها . ولكني ملت لأعظمهم جفن . وأزهدهم جفوة :
لـــه نـــار تشـــب علي يفـــاع ***** إذا النيران ألبست القناعـــا .
فوطأ لي مضجعــــا . ومهد لي مهجعا . فإن وني لي ونية لي ابن كأنه سيف يمان . أو هلال بدا في غير قتمان . وأولاني نعما ضاق عنها قدري . واتسع بها صدري . أولها فرش الدار . وآخرها ألف دينار . فما طيرتني إلا النعم . حيث توالت . والديــم لــما انثالت . فطلعت من همذان طلوع الشارد . ونفرت نفار الآبد . أفريالمسالك . وأقتفر المهالك . وأعاني الممالك . علي أني خلفت أم مثواي وزغلولا لي:
كـــأنــــه دمـــلـــج مـــن فــــضــــــة نــبه ***** في ملعب من عذارى الحي مفصوم
وقدهبت بي إليكم ريح الاحتياج . ونسيم الإلفاج . فانظروا رحمكم الله لنقض من الأنقاض مهزول . هدته الحاجة وكدته الفاقة:
أحـــا سفــــر جــــواب أرض تقاذفت ***** به فلـــــوات فهـــــو أشعت أغبـــــر .
جعل الله للخير عليكم دليلا . ولا جعل للشر إليكم سبيلا . قال عيسى بن هشام : فرقت والله له القلوب: واغرورقت للطف كلامه العيون . ونلناه ما تاح في ذلك الوقت . وأعرض عنا حامدا لنا . فتبعته فإذا هو والله شيخنا أبو الفتح الإسكندري .
تعليقات
إرسال تعليق