مقامات بديع الزمان الهمذاني _ المقامة السجستانية .


حدثنا عيسى بن هشام . قال: حدا بى سجستان أرب فاقتعدت طيته . وامتطيت مطيته . واستخرت الله فى العزم جعلته أمامى . والحزم جعلته إمامى . حتى هدانى إليها فوافيت دروبها . وقد وافت الشمس غروبها . واتفق المبيت حيث انتهيت . فلما انتضى نصل الصباح . وبرز جيش المصباح . مضيت إلى السوق أختار منزلا فحين انتهيت من دائرة البلد إلى نقطتها . ومن قلادة السوق إلى واسطتها . خرق سمعى صوت له من كل عرق معنى فانتحيت وفده . حتى وقفت عنده . فإذا رجل على فرسه . مختنق بنفسه . قد ولانى قذاله وهو يقول من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا أعرفه بنفسى أنا باكورة اليمن . وأحدوثة الزمن . أنا أدعية الرجال . وأحجية ربات الحجال . سلوا عنى البلاد وحصونها . والجبال وحزونها . و الأودية وبطونها . والبحار وعيونها . والخيل ومتونها . من الذى ملك أسوارها . وعرف أسرارها . ونهج سمتها . وولج حرتها .سلو الملوك وخزائنها . والأغلاق ومعادنها . والأمور وبواطنها . والعلوم ومواطنها .  والخطوب ومغالقها . والحروب ومضائقها . من الذى أخذ مختزنها . ولم يؤد ثمنها . ومن الذى ملك مفاتحها . وعرف مصالحها . أنا والله فعلت ذلك وسفرت بين ملوك الصيد . وكشفت أستار الخطوب السود . أنا والله شهدت حتى مصارع العشاق . ومرضت حتى لمرض الأحداق . وهصرت الغصون الناعمات . واجتنيت ورد الخدود الموردات . ونفرت مع ذلك عن الدنيا: نفور طبع الكريم عن وجوه اللئام . ونبوت عن المخزيات نبو السمع الشريف عن شنيع الكلام . والآن لما أسفر صبح المشيب وعلتنى أبهه الكبر عمدت لإصلاح أمر المعاد . بإعداد الزاد . فلم أر طريقا أهدى إلى الرشاد . مما أنا سالكه يرانى أحدكم راكب فرس . ناثر هوس . يقول هذا أبو العجب . لا ولكنى أبو العجائب عاينتها وعانيتها . وأم الكبائر قايستها وقاسيتها . وأخو الأغلاق صعبا وجدتها . وهونا أضعتها . وغاليا اشتريتها . ورخيصا ابتعتها . فقد والله صحبت لها المواكب . وزاحمت المناكب . ورعيت الكواكب . وأنضيت المراكب . دفعت إلى مكاره نذرت معها أن لا أدخر عن المسلمين منافعها . ولابد لى أن أخلع ربقة هذه الأمانة من عنقى إلى أعناقكم . وأعرض دوائي هذا فى أسواقكم . فليشتر منى من لا يتقزز من موقف العبيد . ولا يأنف من كلمة التوحيد . وليصنه من أنجبت جدوده . وسقط بالماء الطاهر عوده . قال عيسى بن هشام: فدرت إلى وجهه لأعلم علمه فإذا هو والله شيخنا أبو الفتح الإسكندرى وانتظرت إجفال النعامة بين يديه . ثم تعرضت فقلت كم يحل دواءك هذا فقال يحل الكيس ما شئت . فتركته وانصرفت .

تعليقات