مقامات بديع الزمان الهمذانى _ المــقـــامـــة الفـــزاريــة .


حدثنا عيسى بن هشام قال : كنت في بعض بلاد فزارة مرتحلا نجيبة . وقائدا جنيبة . يسبحان بي سبحا . وأنا أهم بالوطن فلا الليل يثيني بوعيده . ولا البعد يلويني ببيده . فظللت أخبط ورق النهار بعصا التسيار . وأخوض بطن الليل . الليل . بجوافر  الخيل . فبينا أنا في ليلة يضل فيها الغطاط . ولا يبصر فيها الوطواط أسيح سيحا ولا سانح إلا السبع . ولا بارح إلا الضبع . إذ عن لي راكب تام الآلات يؤم الأثلات . يطوي إلي منشور الفلوات . فأخذ ني منه ما يأخذ الأعزل . من  شاكي السلاح لكني تجلد ت فقلت : أرضك لا أم لك فدونك شرط الحداد وخرط القتاد .  وخصم . وحمية أديه. وأنا سلم إن شئت. وحرب إن أردت . قفل ليمن أنت . فقا: سلما أضبت. فقلت : خيرا أجبت فمن أنت. قال : نصيح إن شاورت. فصيح إن حاورت . ودون اسمي لثام . لا تميطه الأعلام قلت: فما الطعمة. قال: أجوب جيوب البلاد. حتي أقع علي جفنة جواد ولي فؤاد يخدمه لسان. وبيان يرقمه بنان. وقصاراي كريم لي جنبيتة وينفض إلي حقيبه. كأبن حرة طلع  علي بالأمس .طلوع الشمس. وغرب عني بغروبها لكنه غاب ولم يغب تذكاره. وودع وشيعتني آثاره. ولا ينبئك عنها. أقرب منها. وأومأ إلي ما كان لبسه. فقلت: شحاذورب الكعبة أخاذ. له في الصنعة نفاذ. بل هو فيها أستاذ. ولا بد من أن ترشح له وتسح عليه. فقلت : يافتي قد جليت عبارتك فأين شعرك من كلامك. فقال: وأين كلامي من شعري. ثم استمد غريزته ورفع عقيرته . بصوت ملأ الوادي وأنشأ يقول:
     وأروع أهـــــداه لي الليل والفلا                 *****            وخمس تمس الأرض لكن كلاولا .
     عرضت علي نار المكارم عوده               *****             فكان معما في السيادة مخـــولا .
     وخادعته عــن ماله فخـدعتــه              *****             وسـاهلته مـــن بـره فتسهــلا .
     ولما تجا لينا وأحمد منطقـــي              *****            بلاني مــن نظم القريض بما بلا .
    فما هـز إلا صار ما حين هزني              *****            ولـــم يلقـن إلا إلــي السبق أولا .
   ولـــم أره إلا أغـــر محــجــــلا                    *****           وما تحتــه إلا أغـــر مــحجــــلا .
فقلت له: علي رسلك يافتى ولك فيما يصحبني حكمك. فقال: الحقيبة بما فيها فقلت: إن وحاملتها. ثم قبضت بجمعي عليه وقلت: لا والذي الهمها لمسا وشقها من واحدة خمسا. لا تزايلني  أو أعلم علمك. فحدر لثامه عـن وجهه فإذا
هو والله شيخنا أبو الفتح الإسكندري . فما لبثت أن قلت:
توشحت أبا الفتح            *****        بهذا السيف مختالا .
فما تصنع بالسيف           *****       إذا لـم تــــك قتــالا .
فصنغ ما أنت حليت          *****       به سيفك خــلخــالا .

تعليقات