مقامات بديع الزمان الهمذاني _ المــقــامــة البــصــريــة .


حدثنا عيسى بن هشام قال: دخلت البصرة وأنا من سني في فتاء. ومن الزي في حبر ووشاء. ومن الغنى في بقر وشاء. فأتيت المربد في رفقة تأخذهم العيون. ومشينا غير بعيد إلي بعض المنتزهات . في تلك المتوجهات وملكتنا أرض فحللناها وعمدنا لقداح اللهو فأجلناها. مطر حين للحشمة إذ لم يكن فينا إلا منا. فما كان بأسرع من ارتداد الطرف حتي عن لنا سواد. تخفضه وهاد. وترفعه نجاد. وعلمنا أنه يهم بنا فأتلعنا له حتي أداه إلينا سيره ولقينا بتحية الإسلام . ورددنا علية مقتض السلام ثم أجال فينا طرفه وقال : ياقوم ما منكم إلا من يلحظني شزرا. ويوسعني حزرا . وما يبنيكم عني . أصدق مني. أنا رجل من أهل الإسكندرية . من الثغور الأموية  قد وطألي كنفه الفضل ورحب بي عيش ونماني بيت. ثم جعجع بي الدهر عن ثمه ورمه. وأتلاني زغاليل حمر الحواصل:
كأنهم حيات أرض محلة  *****   فلو يعضون لذكي سمهم . 
إذا نزلنا أرسلوني كاسبا   *****  وإن رحلنا ركبوني كلهم .
ونشزت علينا البيض وشمست منا الصفر . وأكلتنا السود وحطمتنا الحمر ونتابنا أبو ماللك. فما يلقانا أبو جابر إلا عن عقر. وهذه البصرة ماؤها هضوم وفقيرها مهضوم . والمرء من ضرسه في شغل. ومن نفسه في في كل. فكيف بمن:
يطوف ما يطوف ثم يأوي    ******    إلي زغب محددة  العيون .
كساهن البلي شعثا فتمسي   ******    جياع الناب ضامرة البطون .
ولقد أصبحن اليوم وسر حن الطرف في حي كميت. وبيت كلا بيت. وقلبن الأكف علي ليت. ففضضن عقد الضلوع. وأفضن ماء الدموع وتداعين باسم الجوع :
والفقر في زمـن اللئا ***** م لكل ذي كـرم علا .
رغب الكرام إلي اللئا    ***** م وتلك أشراط القيامه .
ولقد اختر تم يا سادة . ودلتني عليكم السعادة . وقلت قسما. إن فيهم لدسما .فهل من فتى يعشيهن. أو يغشيهن . وهل من حر يغديهن أو يرديهن. قال عيسى بن هشام : فوالله ما استأذن علي حجاب سمعي كلام رائع أبرع . وأرفع وأبدع. مما سمعت منه. لا جرم إنا استمحنا الأوساط . ونفضنا الأكمام ونحينا الجيوب. ونلته أنا مطر في وأخذت الجماعة إخذي. وقلنا له : الحق بأطفا لك . فأعرض عنا بعد شكر وفاة. ونشر ملأ به فاه.

تعليقات